رحلة دراسة الماجستير
أتذكر قصيدة إيميلي ديكنسون ترسم فيها رحلة طائر يغرد في الربيع فتطرب له أُذن من ترك نافذة الغرفة مفتوحة، ثم يأتي الصيف ويختفي الصوت البديع ويهجر النوافذ والشرفات التي يستقبل منها الناس الساعات الأولى من الصباح. ولكن إيميلي تقول لا داعي للحزن والسخط، فهذا الطائر سيعود مع عودة الربيع وهكذا يسير مع دورة الفصول. وأعتقد الحياة تشبه بشكل كبير هذا الطائر المغرد.
مع صعوبات دراسة الماجستير، شعرت بأن هذا الطائر لن يأتي وستلقي شمس الصيف لهيبها عليّ فترة الدراسة كلها. ولكن هذه ليست الحقيقة؛ هذا الطائر سيعود حتما ولكن لا يجب استعجال عودته التي قد تطول. إذاً في الخطوة الأولى هي تقبل هذا الصيف لأنه في حال عدم تقبله لن تصل أبداً، متعذراً بأن هذه المهمة الصعبة لم تكافئني مع كل صبري وتحملي لذلك سأتوقف وأجد مهمة تعجل قدوم الربيع أسرع. وربما من الطبيعي أن تلازمنا هذه الفكرة من حين لآخر. فمثلا في الترم الأول من الماجستير كانت هناك هذه الرغبة الملحة في أنّ أنسحب وأبحث عن وظيفة "زي العالم والناس". وهذا التفكير يجد بسهولة الغذاء من المجتمع والبيئة المحيطة تجعل فكرة الانسحاب من الدراسة محببه جداً. ولكن لحسن الحظ، لم أتسمع لذلك الصوت وقررت انتظار طائر الربيع.
وفي الحقيقة، الصيف فترة مناسبة لصقل شخصيتك ومهاراتك. الصيف هنا يساعدك في استقبال الربيع، فمثلا ما الفائدة من استعجال الربيع وأنت لم تستعد له جيدًا حتى تستمتع به؟
كنت قادراً على المذاكرة من أجل النجاح فقط دون بذل جهد إضافي، ولكن لن أشعر بالإنجاز حقا وقت الحصول على الشهادة وهكذا. والحديث عن مرحلة الدراسة لا ينتهي. ولكن تعلمت أهمية قبول الأنظمة وعدم التمرد ضدها كما أحب أن أفعل أحيانا. فمثلا، أنا أمقت أسلوب الكتابة الأكاديمية الجامد، وأفضل أسلوب سرد القصة في كل شيء ولكن سلطة الأكاديمي تركض خلفي وتمسح القصة التي كتبتها وتطلب أنّ أكتب بتلك اللغة المملة. وكان وقتها من الغباء الاستمرار في العناد وكان تقبل هذه الأنظمة هو الصواب.
وفي النهاية أعتقد من المهم عدم وضع كل الآمال على اسم جامعة مرموقة أو شهادة أكاديمية ومهنية. لأنّ التطور الحقيقي هو سعي الأنسان في تطوير نفسه بنفسه. وصحيح بأن الجامعات لها فضل كبير علينا ومن يدرس فيها، ولكن من تجربتي توجد مشكلة كبيرة عندما يُعامل التعليم دون شغف ومسؤولية؛ فمثلا أنا درست البكالوريوس في جامعة ذات سمعة سيئة متشكلة في تدني المستوى التعليمي والمنهج المعتمد فيها. لذلك، كنت حريصًا على اختيار ذات سمعة أفضل وترتيب عالٍ في السعودية. المفاجأة كانت أنه هناك تقصير مشابه للموجود في الجامعة السابقة، مع بعض التفاوت بالطبع. ولاحظت أنّ المشكلة الحقيقة هو في معاملة الوظيفية التعليمية مثل أي وظيفة أخرى. ولكن في الحقيقة وظيفة المعلم أو رئيس قسم وغيره من الوظائف في الجامعة تتطلب حس عال من المسؤولية وللأسف لم أجدها في الجامعتين. فمثلًا، هل هناك مراقبة فعلية وتقييم لأداء المعلم في الفصل الدراسي؟ على الأغلب لا؛ لأني صادفت من هو بروفيسور وهو لا يفقه الكثير من الأشياء ويقدس الكسل فيرفض طلب الطالب في مساعداته في مناقشة ورقته أو بحثه ولماذا حصلت هذه الورقة على جيد أو مقبول. وهناك من يكلف بتدريس مادة ويقول لنا بصراحة أنا لا افهم هذه المادة ولكن هم فرضوها عليّ!
أكره أنّ انهي التدوينة بهذا الشكل المتشائم وكأني أقول "لحد يدرس" وأحسن "تدور وظيفة زي العالم والناس" ولكن في الحقيقة أنا ممتن وشاكر لفضل الله في أنه قدرني على الدراسة والتخرج. وحتى مع كل السلبيات التي لم أذكرها كلها، تعلمت كثيرًا من الجانب العلمي وكذلك الشخصي وستبقى من أهم مراحل حياتي التي عشتها: كيف لا وطائر الربيع قد أتى.... ولو أني اكتب هذه التدوينة والحرارة شديدة في الخارج ولكن المهم التعبير المجازي هنا... دمتم بخير.
تعليقات
إرسال تعليق