كيف يعيش الراحلون بتفاصيل حياتنا؟


 


 

 

 

أجلس على طاولة الطعام في المنزل منشغلًا بكتابة مراجعتي على موقع «جوود ريدز» لكتاب option B  الذي تتحدث فيه المؤلفة عن فقدانها لزوجها، الكهف الذي تأوي إليه من عواصف الحياة والأجواء الماطرة. وبرحيله يختفي هذا الكهف فتبقى هي ربيبة الوحدة والقلق المستمر:  كيف سأكمل حياتي من دونه؟  

 

ينقطع الخيط بين أصابع يدي السريعة ولوحة المفاتيح بصوت باب غرفة أبي وهو يُفتح بهدوء كأنه لا يريد أنّ يفتحه كاملًا فيخرج من الغرفة الأحزان الغير معلنة بعد للمنزل... جدك توفى. يلقي أبي هذا الخبر الصاعق عن وفاة جدي الذي كان منومًا في المستشفى منذ أشهر. يلقي أبي هذا الخبر الثقيل ويهرع مسرعًا نحو الباب حتى لا يلحقه ثقل ردة فعلنا ويذهب مع أعمامي لمكة للدفن. 

 

لا أعلم ما سر هذه المصادفة في أنّ تقرأ عن شخص يتحدث عن تجربته مع الفقد ومن ثم تعيش أنت هذا الفقد بنفسك ولكن الذي اعرفه أنّ الحياة لن تتوقف لحزنك ولن تتوقف عجلة الزمن عن الدوران من أجلك لتعيش في لحظة من الماضي مع من رحل عن حياتك. تحدثت لبنى الخميس عن هذه الحالة وكيف يمكننا أنّ نرى الحياة ملونة من جديد بعد الفقد في حلقة وهي رميم.  أما أنا، الذي أريد أن اتحدث عنه هو التشافي بذكرى ومكان من رحل. 

 

 

 

فقدان من تحب يعني فقدان الروتين والعادات:

 

قرأت ذات مره للأديب الكبير عباس محمود العقاد مقال يتحدث فيه عن العادات وأنّ يدنا لا تلوح مودعة من أصبح تحت التراب فحسب بل تودع أيضًا العادات والمآلف التي لطالما أوينا إليها مع من نحب. فبرحيلهم نحن نأسى على المقهى الذي اعتدنا الجلوس فيه، النشاط الرياضي الذي يجمعنا وبالنسبة لي كأس شاهي العصر مع جدي بين النخيل. والموت نفسه لا يفجعنا في أعرائنا إلا لأنه يقتلع في نفوسنا هده العادات ويمنعنا منها. فلو مات نصف الناس دون أنّ يغيروا لنا عادة في الحس أو العقل لما تحركنا لهذا المصاب. 

 

لكن ماذا لو أعدنا هذه العادات لحياتنا؟ ماذا لو لم نهرب من الأماكن التي كانوا فيها؟ ماذا لو أكملنا النشاط والعادة التي كانوا يقومون بها؟ بلا شك هذه قفزة صعبة لأنه في الجهة المقابلة ينتظرك سيل عارم من الذكريات واللحظات التي ستفتح الجراح ثانيةً وستدخل بحالة من الحزن والبكاء مره أخرى. ولكن صدقني هذه القفزة تستحق المعاناة لأجلها! 

 

فمثلًا وجدت الاهتمام بالمزرعة كما كان يفعل جدي-رحمه الله عليه- رضا وصفاء للقلب بعد أنّ كان يجتاحني النفور والفراغ بدخول هذه المزرعة ومواجهة الذكريات من جديد. بالتأكيد رونق عادة أو روتين كنا نشاركه مع من نحب لن يكون نفسه عندما نقوم به لوحدنا، ولكنه حتمًا سيساعدنا على تجاوز حالة الحزن ويصبح ذكر اسم من رحل وزيارة أماكنهم المفضلة ليس أمر يدعو للذعر والخوف والحزن وإنما قبول وتجاوز وعودة لروتين انتزعه الموت منك برحيل من رسم لك هذا الروتين يومًا ما، فمتى ستعود لذاك الروتين وتجعل من الذكرى فعل تعيش به حياتك؟ 

 

تعليقات