قصص من الأدب: هل أنت مكبث؟


Illustration by Bill Bragg


رجل يوُعد بسلم النجاح الذي شيّده الملوك والنبلاء من قَبله بشرفهم وإنجازاتهم ولكن هذا السلم سيأخذ شيء من الوقت حتى تنتهي الأيام من تشكيل درجاته التي ستأخذ رجل قصتنا «مكبث» لعرش الملوك، هل ينتظر مكبث هذا السلم النبيل أم يتجه للطريق الوعر بين أشجار الغابة المظلمة التي قد تأخذه للعرش أسرع؟

 

 

في طريق عودة الأمير «مكبث» من معركة انتصر فيها ضد ملك نرويجي، يصادفه في طريق العودة ثلاث ساحرات يحملون معهم التباشير والتنبؤات العظيمة في أنّ مكبث سيصبح أميرًا لمنطقة « كودور» في إسكتلندا (مكبث حاليًا أميرًا لمنطقة جلامس) وعلاوة على ذلك سيصبح ملكًا في يوم من الأيام. 

 

 

تحدث جلبة كبيرة في عقل ماكبث بعد سماعه لكلام الساحرات الثلاث ووقع كلامهم عليه. يقرر السير في طريق الغابة المظلمة فيسعى لتحقيق نبوءة "الحكم" وحتى يستمر في طريق الغابة الوعر-الأسرع- يلطخ يده بالدماء ويقتل صديقه المقرب الذي حصل على نبوءته أيضًا من الساحرات في أنه سيكون "أبًا لملوك" وحتى تكتمل خطط مكبث الطموحة دون أي عرقلة، يقتل ملكه، ملك شعب إسكتلندا في الفصل الأول من المسرحية.

 

 

 

 صراع العقل:

 


كيف وصل رجل نبيل مثل مكبث لهذه الحالة ويرتكب جريمة بحق صديقه وملكه الكريم معه؟ هل هو بسبب الساحرات الثلاث؟ قد يكون كذلك، ولكن حكمنا سيكون ناقصًا؛ لأنّ هؤلاء الساحرات نفسهم لم يأتوا من أجل مكبث فحسب بل كانوا يحملن نبوءة لصديقه الذي سيأخذ أبناءه راية الحكم، مع هذا لم يُعد المكيدة لتسهيّل الطريق لهذه النبوءة حتى تتحقق، لماذا؟ 

 

 للإجابة على هذا السؤال سنلقي نظرة على نظرية الأنا والأنا الكبرى والهو ((ego,super ego, the id لسيغموند فرويد والتي ستساعدنا على فهم مكبث أفضل، بل عقل كل إنسان.

 

 

-       الأنا العليا :(Super Ego) القيم والأخلاق التي تدفعنا أو تمنعنا من القيام بأمر ما ونقدر نسميه الرقيب النفسي.

 

-       الأنا (:(Ego يمثلك أنت وقت التفكير وهي الحالة الوسيطة بين الإثنين ويحاول يوازن بينهم في إشباع الرغبات ولكن بطريقة يقبلها ويوافق عليها الأنا العليا. 

 

-       الهو :(id) هي الغرائز والدوافع الأولوية وتحتاج اشباع فوري دون التفكير بالقيم والأخلاق والمعاير الاجتماعية.

 

 

 

يبدأ شيكسبير في بناء الأحداث وتتطور شخصية «مكبث» وفقًا لهذه العناصر النفسية الثلاثة، فيبدأ مكبث بتقليب فكرة قتل الملك برأسه فنعيش في عقل مكبث ونبعد عن حدود القلعة.  يصبح مكبث سجين التردد بسبب (الأنا العليا) لأنّ فكرة قتل الملك متضاربة مع الأخلاق وبالفعل يعزف عن فكرة قتله في البداية. لكن العقل لا يختم دوره بهذه السرعة، فتأتي  الرغبة الجامحة ((id التي لن تعرف السكون حتى يشبعها مكبث بقتل الملك، وجعل شيكسبير من زوجة مكبث تجسيدًا لهذه الرغبة فتغزو عقله بالأفكار السامة لقتل الملك وتزين له الطريق. يبدأ الصراع بين الإثنين ويقف بينهم (الأنا) أو بمعنى آخر عقل مكبث الواعي الذي يحاول أنّ يجد حلًا يرضي الطرفين ولكنه يفشل. يميل مكبث لرغبته وصوت زوجته ويقتل الملك ويصبح ملكًا يرى الخيانة في عيون كل من حوله فيقتل من دون هوادة وتصبح إراقة الدماء تباشير الخير والنصر وكأنها أمطار الربيع التي تحتضن الأرض ولا تفارقها إلا وهي موعودة بالورد والبساط الأخضر، أما زوجته تصاب بالجنون. يُقتل مكبث على يد ابن الملك وتنتهي هناك قصة طموح بدأ بقطرة دم وانتهى ببحيرة دماء. 

 

هل أنت مكبث؟ 

 

art by Anna and Elena Balbusso 

أعتقد أننا كلنا مكبث بصورة أو بأخرى؛ فكلنا لدينا تلك الرغبة التي نريد إشباعها في الحياة أو لنطلق عليه الطموح كما وصفه شيكسبير في المسرحية. هل العلة في الطموح ويجب أنّ نعيش دون طموح لشيء ما حتى لا ينتهي بنا الحال مجرمين مثل مكبث؟ أمّ أنّ العيب ليس في طموحنا بل عقلنا أو بصورة أخرى الـid أبو الرغبات والغرائز؟  

 

لا أملك الأجوبة لهذه الأسئلة الدرامية بعض الشيء ولكن أعتقد أننا نعيش مسرحية مكبث كل يوم في حياتنا سواءً في قرارتنا الشخصية أو الناس من حولنا، فستجد نسخًا أخرى من مكبث الذي نعرفه من المسرحية، مكبث الصالح الذي لم ينجرف لشهواته ومكبث الطالح الذي جرفه التيار وتراقب في الخلفية زوجة مكبث، مبعوثة الـid، لتفسد حياتنا وحياة غيرنا. 

 

لعل مكبث مات من دون أنّ يعيش حلمه بسلام ولم يزيد أسكوتلندا ازدهارا فوق ازدهار، ولكنه يخبرنا أنّ السير مع الطريق الوعر قد يقودك لوجهتك أسرع، لكن هل تستطيع أنّ تعيش مع تأنيب الضمير لما اقترفته يداك لتصل لما أنت فيه الآن ؟ 

 

 يخبرنا مكبث أيضًا أنّه لا يهم لمن نستمع من بين هؤلاء الثلاثة: ((ego,super ego, the id ويقول في نهاية المسرحية قبل موته:

 

 

ما الحياة إلا ظل يمشي، ممثل مسكين يتبختر،

ويستشيط ساعته على المسرح،

ثم لا يسمعه أحد: إنها حكاية 

يحكيها معتوه، مِلئها الصخب والعنف 

ولا تعني أي شيء.

 




 

 

 

 

 

                      

 

 



تعليقات