قلعة هاول المتحركة





(صوفي) منغمسة أيّما اِنغماس في أعمال الخياطة وتصنع بكل حماس قبعة جديدة وأشعّة الشمس متسللة من النافذة. صناعة القبعات حِرفة فنية معنية بالجمال ولكن صوفي لا ترى نفسها جميلة ولا ترتدي شيء مما تصنعه وتترك ما تصنع لوالدتها وأختها وكأنها لا تستحق ما يعطيها رونق الجمال. بعدها نسمع بالخلفية الحديث عن قلعة مهيبة حاكمها الساحر «هاول» خاطف للنساء الجميلات، ولكن سرعان ما يناقض هذا الكلام تصرفات «هاول» نفسه في مساعدته لصوفي من مخلوقات شريرة في بداية الفلم. فلم قلعة هاول المتحركة تكمن روعته في هذه التناقضات والصور المتشابكة وما بين السحر والواقع. 

 

قرارنا في التميز بين القبيح والجميل في لقاءنا الأول هو بطبيعة الحال بالمظهر الخارجي للأشخاص (أو على الأقل هذا ما يشير إليه الفلم). غلاف جمالي يغطي أفعال الناس من حولنا فيحجب الحقيقة، فربما تكون قبيحة تنبع من ماء راكد ملوث أو نبيلة نابعة من ماء جارٍ. 




يقول الكاتب المسرحي الكبير، شيكسبير: 

 “God Has given you a face and you make yourself another”.

 وفلم قلعة هاول المتحركة يدور بالكامل حول هذا الاقتباس؛ الساحر العظيم «هاول» الذي حظي بشيء من الوسامة يسقط في اللحظة التي ترفضه الفتاة التي يعشقها أو عندما تظهر بعض البثور على وجهه وتفسد جماله. يسقط هنا الوجه الأول الذي كنا نرى فيه شخصية هاول عظيمة في افتتاحية الفلم وحتى في بحثه عن وجهه الأخر والذي يرمز للحرية يفشل في تحقيق ذلك بمشاركته بحرب لا يعلم هو نفسه من على حق أو باطل وخوفه من مواجه «السيدة سليمان» الذي أستمر سنين عديدة. يستمر بعدها الفلم بتحطيم تلك الوجوه الكاذبة مع أمّ صوفي والسيدة سليمان في نهاية الفلم. بنفس الوقت سقوط القناع الأول هو فرصة لحياة بذرتها لم ترى النور إلا مؤخرًا مثل ما حدث مع ساحرة الغرب التي سُلبت منها قوتها فنقضّ عليها شبح الشيخوخة الذي لطالما هربت منه في مُستنقع سحرها الأسود. لكن سقوط الوجه الأول (وجه الساحرة) هو ولادة لوجه جديد بفرصة جديدة ونرى منها أول أمارات التغير لشخص أفضل. 

 

بالعودة لبطلة قصتنا الشائقة، الفلم لا يعطينا بشكل صريح لماذا صوفي لا ترى نفسها جميلة وحتى اللعنة التي مَلئت وجهها بالتجاعيد وانحاء الظهر لم تنكسر بإبطال مفعول اللعنة أو عندما يكرر لها (هاول) كم هي جميلة. اختفت اللعنة بقبول صوفي لنفسها بكل محاسنها وعيوبها و "قبول الذات" هو جوهر الفلم. يصور الكاتب الإنجليزي (أديسون) أنّ الله أعطى الناس القدرة على التخلي عن أعضاء جسمهم التي تجعل منهم محلًا للنقص والقبح في نظرهم. فدلف كل منهم يرمي ما خُلق به بحثًا عما سيجعل منهم قومًا يتغنون بجمالهم. لكن سرعان ما سَخطوا ولم تقنع نفوسهم بالشكل الجديد فطلبوا العودة لما كانوا عليه سابقًا. لماذا؟ لأن الطريقة الوحيدة لحب النفس هو أنّ يعي الإنسان حقيقة نفسه وتعويضه بشيء آخر (التعويض في حالة صوفي قبول نفسها فحسب) ولن يتحقق إلا بالامتناع عن أسباب المعاناة والمقارنة بينه وبين غيره. 

 



 

مع وصولنا لنهاية الفلم نكتشف أنّ المعركة الحقيقة لم تكن بوضع حد لهذه الحرب السخيفة التي يقودها قوى متضاربة تزهق أرواح بريئة بعمليات عسكرية وحشية دون سبب واضح. وهذه بالمناسبة نظرة «ميازاكي» للحرب بشكل عام وحرب العراق بشكل خاص بالفلم، لذلك دائما نرى الحرب في الخلفية أثناء مشاهدة الفلم وتتطور بالخلفية ولا تأخذ المشهد الكامل ليس لتقليل من شأنها ولكن لتشابه هذه الحروب في طبيعتها وأسبابها. مع وصول الفلم للمشاهد الختامية، صحيح أنّ المعارك التي كانت تظهر بالفلم لم تنتهِ ولكن هناك معركة أخرى رُفع فيها راية النصر؛ عندما تَقبّل صوفي نفسها كما هي وعندما يترك هاول الكسب المادي الذي يلتهم ذاته الإنسانية وكما كانت تقول صوفي، " إنّ القلب لعبءٌ ثقيل". وبهذا ينتهي الفلم وتنتهي معه معركة صوفي بإحتضانها لشكلها وروحها. 




تعليقات